الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَإِذَا كُنْتَ فِي الضَّارِبِينَ فِي الْأَرْضِ مِنْ أَصْحَابِكَ، يَا مُحَمَّدُ، الْخَائِفِينَ عَدُوَّهُمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ"فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ"، يَقُولُ: فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ بِحُدُودِهَا وَرُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا، وَلَمْ تَقْصُرْهَا الْقَصْرَ الَّذِي أَبَحْتُ لَهُمْ أَنْ يَقْصُرُوهَا فِي حَالِ تَلَاقِيهِمْ وَعَدُوَّهَمْ وَتَزَاحُفِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضِ، مِنْ تَرْكِ إِقَامَةِ حُدُودِهَا وَرُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا وَسَائِرِ فُرُوضِهَا"فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ"، يَعْنِي: فَلْتَقُمْ فِرْقَةٌ مِنْ أَصْحَابِكَ الَّذِينَ تَكُونُ أَنْتَ فِيهِمْ مَعَكَ فِي صَلَاتِكَ وَلْيَكُنْ سَائِرُهُمْ فِي وُجُوهِ الْعَدُوِّ. وَتَرَكَ ذِكْرَ مَا يَنْبَغِي لِسَائِرِ الطَّوَائِفِ غَيْرِ الْمُصَلِّيَةِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَفْعَلَهُ، لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ الْمَذْكُورِ عَلَى الْمُرَادِ بِهِ، وَالِاسْتِغْنَاءِ بِمَا ذَكَرَ عَمَّا تَرَكَ ذِكْرَهُ"وَلِيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ". وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيالطَّائِفَةِ الْمَأْمُورَةِ بِأَخْذِ السِّلَاحِفِي صَلَاةِ الْخَوْفِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ الطَّائِفَةُ الَّتِي كَانَتْ تُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: وَمَعْنَى الْكَلَامِ: "وَلِيَأْخُذُوا"، يَقُولُ: وَلِتَأْخُذِ الطَّائِفَةُ الْمُصَلِّيَةُ مَعَكَ مِنْ طَوَائِفِهِمْ"أَسْلِحَتَهُمْ"، وَالسِّلَاحُ الَّذِي أُمِرُوا بِأَخْذِهِ عِنْدَهُمْ فِي صَلَاتِهِمْ، كَالسَّيْفِ يَتَقَلَّدُهُ أَحَدُهُمْ، وَالسِّكِّينِ، وَالْخِنْجَرِ يَشُدُّهُ إِلَى دِرْعِهِ وَثِيَابِهِ الَّتِي هِيَ عَلَيْهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ سِلَاحِهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الطَّائِفَةُ الْمَأْمُورَةُ بِأَخْذِ السِّلَاحِ مِنْهُمُ: الطَّائِفَةُ الَّتِي كَانَتْ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ، دُونَ الْمُصَلِّيَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ. حَدَّثَنِي بِذَلِكَ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "فَإِذَا سَجَدُوا"، يَقُولُ: فَإِذَا سَجَدَتِ الطَّائِفَةُ الَّتِي قَامَتْ مَعَكَ فِي صَلَاتِكَ تُصَلِّي بِصَلَاتِكَ فَفَرَغَتْ مِنْ سُجُودِهَا"فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ"، يَقُولُ: فَلْيَصِيرُوا بَعْدَ فَرَاغِهِمْ مِنْ سُجُودِهِمْ خَلْفَكُمْ مُصَافيِّ الْعَدُوِّ فِي الْمَكَانِ الَّذِي فِيهِ سَائِرُ الطَّوَائِفِ الَّتِي لَمَّ تُصَلِّ مَعَكَ، وَلَمْ تَدْخُلْ مَعَكَ فِي صَلَاتِكَ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: " {فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ} ". فَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَأْوِيلُهُ: فَإِذَا صَلَّوْا فَفَرَغُوا مِنْ صَلَاتِهِمْ، فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِذَا صَلَّتْ هَذِهِ الطَّائِفَةُ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً، سَلَّمَتْ وَانْصَرَفَتْ مِنْ صِلَاتِهَا، حَتَّى تَأْتِيَ مَقَامَ أَصْحَابِهَا بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهَا. وَقَالُوا: هُمُ الَّذِينَ عَنَى اللَّهُ بِقَوْلِهِ: " {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} "، أَنْ تَجْعَلُوهَا-إِذَا خِفْتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَفْتِنُوكُمْ- رَكْعَةً وَرَوَوْا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ صَلَّى بِطَائِفَةٍ صَلَاةَ الْخَوْفِ رَكْعَةً، وَلَمْ يَقْضُوا، وَبِطَائِفَةٍ أُخْرَى رَكْعَةً وَلَمْ يَقْضُوا. وَقَدْ ذَكَرْنَا بَعْضَ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى، وَفِيمَا ذَكَرْنَا كِفَايَةٌ عَنِ اسْتِيعَابِ ذِكْرِ جَمِيعِ مَا فِيهِ. وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: بَلِ الْوَاجِبُ كَانَ عَلَى هَذِهِ الطَّائِفَةِ الَّتِي أَمَرَهَا اللَّهُ بِالْقِيَامِ مَعَ نَبِيِّهَا إِذَا أَرَادَ إِقَامَةَ الصَّلَاةِ بِهِمْ فِي حَالِ خَوْفِ الْعَدُوِّ، وَإِذَا فَرَغَتْ مِنْ رَكْعَتِهَا الَّتِي أَمَرَهَا اللَّهُ أَنْ تُصْلِي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا أَمَرَهَا بِهِ فِي كِتَابِهِ أَنْ تَقُومَ فِي مَقَامِهَا الَّذِي صَلَّتْ فِيهِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتُصَلِّي لِأَنْفُسِهَا بَقِيَّةَ صَلَاتِهَا وَتُسَلِّمُ، وَتَأْتِي مَصَافَّ أَصْحَابِهَا، وَكَانَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَثْبُتَ قَائِمًا فِي مَقَامِهِ حَتَّى تَفْرَغَ الطَّائِفَةُ الَّتِي صَلَّتْ مَعَهُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى مِنْ بَقِيَّةِ صَلَاتِهَا، إِذَا كَانَتْ صَلَاتُهَا الَّتِي صَلَّتْ مَعَهُ مِمَّا يَجُوزُ قَصْرُ عَدَدِهَا عَنِ الْوَاجِبِ الَّذِي عَلَى الْمُقِيمِينَ فِي أَمْنٍ، وَتَذْهَبُ إِلَى مَصَافِّ أَصْحَابِهَا، وَتَأْتِي الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى الَّتِي كَانَتْ مُصَافَّةً عَدُوَّهَا، فَيُصَلِّي بِهَا رَكْعَةً أُخْرَى مِنْ صَلَاتِهَا. ثُمَّ هُمْ فِي حُكْمِ هَذِهِ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ مُخْتَلِفُونَ. فَقَالَتْ فِرْقَةٌ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ: كَانَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا فَرَغَ مِنْ رَكْعَتَيْهِ وَرَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ سُجُودِهِ مِنْ رَكْعَتِهِ الثَّانِيَةِ، أَنْ يَقْعُدَ لِلتَّشَهُّدِ، وَعَلَى الطَّائِفَةِ الَّتِي صَلَّتْ مَعَهُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ وَلَمْ تُدْرِكْ مَعَهُ الرَّكْعَةَ الْأَوْلَى لِاشْتِغَالِهَا بِعَدُوِّهَا، أَنْ تَقُومَ فَتَقْضِي رَكْعَتَهَا الْفَائِتَةَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَعَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتِظَارُهَا قَاعِدًا فِي تَشَهُّدِهِ حَتَّى تَفْرَغَ هَذِهِ الطَّائِفَةُ مِنْ رَكْعَتِهَا الْفَائِتَةِ وَتَتَشَهَّدَ، ثُمَّ يُسَلِّمُ بِهِمْ. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ أُخْرَى مِنْهُمْ: بَلْ كَانَ الْوَاجِبُ عَلَىالطَّائِفَةِ الَّتِي لَمْ تُدْرِكُ مَعَهُ الرَّكْعَةَ الْأُولَىفِي صَلَاةِ الْخَوْفِ إِذَا قَعَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلتَّشَهُّدِ، أَنْ تَقْعُدَ مَعَهُ لِلتَّشَهُّدِ فَتَتَشَهَّدَ بِتَشَهُّدِهِ. فَإِذَا فَرَغَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَشَهُّدِهِ سَلَّمَ. ثُمَّ قَامَتِ الطَّائِفَةُ الَّتِي صَلَّتْ مَعَهُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ حِينَئِذٍ فَقَضَتْ رَكْعَتَهَا الْفَائِتَةَ. وَكُلُّ قَائِلٍ مِنَ الَّذِينَ ذَكَرْنَا قَوْلَهُمْ، رَوَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَارًا بِأَنَّهُ كَمَا قَالَ فَعَلَ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ: انْتَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّائِفَتَيْنِ حَتَّى قَضَتْ [كُلُّ طَائِفَةٍ] صَلَاتَهَا، وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ صَلَاتِهِ إِلَّا بَعْدَ فَرَاغِ الطَّائِفَتَيْنِ مِنْ صَلَاتِهِمَا. حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَالِكٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، «عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ، عَمَّنْ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْخَوْفِيَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ: أَنَّ طَائِفَةً صَفَّتْ مَعَهُ، وَطَائِفَةً وِجَاهَ الْعَدُوِّ. فَصَلَّى بِالَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا فَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ. ثُمَّ جَاءَتِ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَصَلَّى بِهِمْ، ثُمَّ ثَبَتَ جَالِسًا فَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ سَلَّمَ بِهِم». حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمَثْنَى قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ، «عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَصْحَابِهِ فِي خَوْفٍ، فَجَعَلَهُمْ خَلْفَهُ صَفَّيْنِ، فَصَلَّى بِالَّذِينَ يَلُونَهُ رَكْعَةً ثُمَّ قَامَ، فَلَمْ يَزَلْ قَائِمًا حَتَّى صَلَّى الَّذِينَ خَلْفَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ تَقَدَّمُوا وَتَخَلَّفَ الَّذِينَ كَانُوا قُدَّامَهُمْ، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً، ثُمَّ جَلَسَ حَتَّى صَلَّى الَّذِينَ تَخَلَّفُوا رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّم». حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ: تَقُومُ طَائِفَةٌ بَيْنَ يَدَيِ الْإِمَامِ وَطَائِفَةٌ خَلْفَهُ، فَيُصَلِّي بِالَّذِينَ خَلْفَهُ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ يَقْعُدُ مَكَانَهُ حَتَّى يَقْضُوا رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ يَتَحَوَّلُونَ إِلَى مَكَانِ أَصْحَابِهِمْ. ثُمَّ يَتَحَوَّلُ أُولَئِكَ إِلَى مَكَانِ هَؤُلَاءِ، فَيُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ يَقْعُدُ مَكَانَهُ حَتَّى يُصَلُّوا رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ يُسَلِّمُ.» ذِكْرُ مَنْ قَالَ: "كَانَتِ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ تَقْعُدُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَفْرَغَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ صِلَاتِهِ، ثُمَّ تَقْضِي مَا بَقِيَ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا بَعْدُ". حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ قَالَ سَمِعْتُ الْقَاسِمَ قَالَ: حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ خَوَّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنْ سَهْلَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ حَدَّثَهُ: أَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ: أَنْ يَقُومَ الْإِمَامُ إِلَى الْقِبْلَةِ يُصَلِّي وَمَعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَطَائِفَةٌ أُخْرَى مُوَاجِهَةُ الْعَدُوِّ، فَيُصَلِّي. فَيَرْكَعُ الْإِمَامُ بِالَّذِينَ مَعَهُ وَيَسْجُدُ، ثُمَّ يَقُومُ، فَإِذَا اسْتَوَى قَائِمًا رَكَعَ الَّذِينَ وَرَاءَهُ لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمُوا فَانْصَرَفُوا، وَالْإِمَامُ قَائِمٌ، فَقَامُوا إِزَاءَ الْعَدُوِّ، وَأَقْبَلَ الْآخَرُونَ فَكَبَّرُوا مَكَانَ الْإِمَامِ، فَرَكَعَ بِهِمُ الْإِمَامُ وَسَجَدَ ثُمَّ سَلَّمَ، فَقَامُوا فَرَكَعُوا لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمُوا. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ: أَنْ صَالِحَ بْنَ خَوَّاتٍ أَخْبَرَهُ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَسَأَلَهُ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ قَالَ: يَقُومُ الْإِمَامُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، وَتَقُومُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَهُ، وَطَائِفَةٌ مِنْ قِبَلِ الْعَدُوِّ وُجُوهُهُمْ إِلَى الْعَدُوِّ، فَيَرْكَعُ بِهِمْ رَكْعَةً، ثُمَّ يَرْكَعُونَ لِأَنْفُسِهِمْ وَيَسْجُدُونَ سَجْدَتَيْنِ فِي مَكَانِهِمْ، وَيَذْهَبُونَ إِلَى مَقَامِ أُولَئِكَ، وَيَجِيءُ أُولَئِكَ فَيَرْكَعُ بِهِمْ رَكْعَةً وَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ، فَهِيَ لَهُ رَكْعَتَانِ وَلَهُمْ وَاحِدَةٌ. ثُمَّ يَرْكَعُونَ رَكْعَةً وَيَسْجُدُونَ سَجْدَتَيْنِ. قَالَ بُنْدَارٌ: سَأَلْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَحَدَّثَنِي عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَقَالَ لِي: اكْتُبْهُ إِلَى جَنْبِهِ، فَلَسْتُ أَحْفَظُهُ، وَلَكِنَّهُ مِثْلَ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ: أَنَّ الْإِمَامَ يَقُومُ فَيَصُفُّ صَفَّيْنِ، طَائِفَةً مُوَاجِهَةَ الْعَدُوِّ، وَطَائِفَةً خَلْفَ الْإِمَامِ. فَيُصَلِّي الْإِمَامُ بِالَّذِينَ خَلْفَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ يَقُومُونَ فَيُصَلُّونَ لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً، ثُمَّ يُسَلِّمُونَ، ثُمَّ يَنْطَلِقُونَ فَيَصُفُّونَ. وَيَجِيءُ الْآخَرُونَ فَيُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ يُسَلِّمُ، فَيَقُومُونَ فَيُصَلُّونَ لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ عُبَيْدَ اللَّهِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: صَلَاةُ الْخَوْفِ: أَنْ تَقُومَ طَائِفَةٌ مِنْ خَلْفِ الْإِمَامِ وَطَائِفَةٌ يَلُونَ الْعَدُوَّ، فَيُصَلِّي الْإِمَامُ بِالَّذِينَ خَلْفَهُ رَكْعَةً وَيَقُومُ قَائِمًا، فَيُصَلِّي الْقَوْمُ إِلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى، ثُمَّ يُسَلِّمُونَ فَيَنْطَلِقُونَ إِلَى أَصْحَابِهِمْ، وَيَجِيءُ أَصْحَابُهُمْ وَالْإِمَامُ قَائِمٌ، فَيُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَةً، فَيُسَلِّمُ. ثُمَّ يَقُومُونَ فَيُصَلُّونَ إِلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى، ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَمَا سَمِعْتُ فِيمَا نَذْكُرُهُ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ بِشَيْءٍ هُوَ أَحْسَنُ عِنْدِي مِنْ هَذَا. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: " {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} "، فَهَذَا عِنْدَ الصَّلَاةِ فِي الْخَوْفِ، يَقُومُ الْإِمَامُ وَتَقُومُ مَعَهُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ، وَطَائِفَةٌ يَأْخُذُونَ أَسْلِحَتَهُمْ وَيَقِفُونَ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ. فَيُصَلِّي الْإِمَامُ بِمَنْ مَعَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ يَجْلِسُ عَلَى هَيْئَتِهِ، فَيَقُومُ الْقَوْمُ فَيُصَلُّونَ لِأَنْفُسِهِمُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ وَالْإِمَامُ جَالِسٌ، ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ حَتَّى يَأْتُوا أَصْحَابَهُمْ، فَيَقِفُونَ مَوْقِفَهُمْ. ثُمَّ يُقْبِلُ الْآخَرُونَ فَيُصَلِّي بِهِمُ الْإِمَامُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ، ثُمَّ يُسَلِّمُ، فَيَقُومُ الْقَوْمُ فَيُصَلُّونَ لِأَنْفُسِهِمُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ. فَهَكَذَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَطْنِ نَخْلَة». وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ تَأْوِيلُ قَوْلِهِ: " {فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ} "، فَإِذَا سَجَدَتِ الطَّائِفَةُ الَّتِي قَامَتْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ دَخَلَ فِي صَلَاتِهِ فَدَخَلَتْ مَعَهُ فِي صِلَاتِهِ، السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ رَكْعَتِهَا الْأُولَى "فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ"، يَعْنِي: مِنْ وَرَائِكَ، يَا مُحَمَّدُ، وَوَرَاءِ أَصْحَابِكَ الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ. قَالُوا: وَكَانَتْ هَذِهِ الطَّائِفَةُ لَا تُسَلِّمُ مِنْ رَكْعَتِهَا إِذَا هِيَ فَرَغَتْ مِنْ سَجْدَتِي رَكْعَتِهَا الَّتِي صَلَّتْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنَّهَا تَمْضِي إِلَى مَوْقِفِ أَصْحَابِهَا بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ، عَلَيْهَا بَقِيَّةُ صَلَاتِهَا. قَالُوا: وَكَانَتْ تَأْتِي الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى الَّتِي كَانَتْ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ حَتَّى تَدْخُلَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَقِيَّةِ صَلَاتِهِ، فَيُصَلِّي بِهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّكْعَةَ الَّتِي كَانَتْ قَدْ بَقِيَتْ عَلَيْهِ. قَالُوا: وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ: "وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلِيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ". ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ فِيصِفَةِ قَضَاءِ مَا كَانَ تَبَقَّى عَلَى كُلِّ طَائِفَةٍ مِنْ هَاتَيْنِ الطَّائِفَتَيْنِ مِنْ صَلَاتِهَا، بَعْدَ فَرَاغِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ صَلَاتِهِ وَسَلَامِهِ مِنْ صَلَاتِهِ، عَلَى قَوْلِ قَائِلِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ وَمُتَأَوِّلِي هَذَا التَّأْوِيلِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَتِ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي صَلَّتْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ صَلَاتِهَا، إِذَا سَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ صِلَاتِهِ قَامَتْ فَقَضَتْ مَا فَاتَهَا مِنْ صَلَاتِهَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَقَامِهَا، بَعْدَ فَرَاغِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ صَلَاتِهِ، وَالطَّائِفَةُ الَّتِي صَلَّتْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّكْعَةَ الْأُولَى بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ بَعْدُ لَمْ تُتِمَّ. فَإِذَا هِيَ فَرَغَتْ مِنْ بَقِيَّةِ صَلَاتِهَا الَّتِي فَاتَتْهَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَضَتْ إِلَى مَصَافِّ أَصْحَابِهَا بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ، وَجَاءَتِ الطَّائِفَةُ الْأُولَى الَّتِي صَلَّتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّكْعَةَ الْأُولَى إِلَى مَقَامِهَا الَّتِي كَانَتْ صَلَّتْ فِيهِ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَضَتْ بَقِيَّةَ صَلَاتِهَا. ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي الشَّوَارِبِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا خُصَيْفٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْخَوْفِ، فَقَامَتْ طَائِفَةٌ مِنَّا خَلْفَهُ، وَطَائِفَةٌ بِإِزَاءٍ أَوْ مُسْتَقْبِلِي الْعَدُوِّ، فَصَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالَّذِينَ خَلْفَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ نَكَصُوا فَذَهَبُوا إِلَى مَقَامِ أَصْحَابِهِمْ. وَجَاءَ الْآخَرُونَ فَقَامُوا خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَلَّى بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ قَامَ هَؤُلَاءِ فَصَلَّوْا لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً، ثُمَّ ذَهَبُوا فَقَامُوا مَقَامَ أَصْحَابِهِمْ مُسْتَقْبِلِي الْعَدُوِّ، وَرَجَعَ الْآخَرُونَ إِلَى مَقَامِهِمْ فَصَلَّوْا لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَة». حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا خُصَيْفٌ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْخَوْفِ، » فَذَكَرَ نَحْوَهُ. حَدَّثَنَا تَمِيمُ بْنُ الْمُنْتَصِرِ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كَانَتِ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي صَلَّتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ لَا تَقْضِي بَقِيَّةَ صَلَاتِهَا بَعْدَ مَا يُسَلِّمُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ صِلَاتِهِ، وَلَكِنَّهَا كَانَتْ تَمْضِي قَبْلَ أَنْ تَقْضِيَ بَقِيَّةَ صَلَاتِهَا، فَتَقِفُ مَوْقِفَ أَصْحَابِهَا الَّذِينَ صَلَّوْا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّكْعَةَ الْأُولَى، وَتَجِيءُ الطَّائِفَةُ الْأُولَى إِلَى مَوْقِفِهَا الَّذِي صَلَّتْ فِيهِ رَكْعَتَهَا الْأُولَى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَقْضِي رَكْعَتَهَا الَّتِي كَانَتْ بَقِيَتْ عَلَيْهَا مِنْ صَلَاتِهَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَتْ تَقْضِي تِلْكَ الرَّكْعَةَ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كَانَتْ تَقْضِي بِقِرَاءَةٍ، فَإِذَا قَضَتْ رَكْعَتَهَا الْبَاقِيَةَ عَلَيْهَا هُنَاكَ وَسَلَّمَتْ، مَضَتْ إِلَى مَصَافِّ أَصْحَابِهَا بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ، وَأَقْبَلَتِ الطَّائِفَةُ الَّتِي صَلَّتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ إِلَى مَقَامِهَا الَّذِي صَلَّتْ فِيهِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَضَتِ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ صَلَاتِهَا بِقِرَاءَةٍ، فَإِذَا فَرَغَتْ وَسَلَّمَتْ، انْصَرَفَتْ إِلَى أَصْحَابِهَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ، قَالَ: يَصُفُّ صَفًّا خَلْفَهُ، وَصَفًّا بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ فِي غَيْرِ مُصَلَّاهُ، فَيُصَلِّي بِالصَّفِّ الَّذِي خَلَّفَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ يَذْهَبُونَ إِلَى مَصَافِّ أُولَئِكَ، وَجَاءَ أُولَئِكَ الَّذِينَ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ صَلَّى هُوَ رَكْعَتَيْنِ، وَصَلَّى كُلُّ صَفٍّ رَكْعَةً. ثُمَّ قَامَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ إِلَى مَصَافِّ أُولَئِكَ الَّذِينَ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ، فَقَامُوا مَقَامَهُمْ، وَجَاءُوا فَقَضَوُا الرَّكْعَةَ، ثُمَّ ذَهَبُوا فَقَامُوا مَقَامَ أُولَئِكَ الَّذِينَ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ، وَجَاءَ أُولَئِكَ فَصَلَّوْا رَكْعَةً قَالَ سُفْيَانُ: فَتَكُونُ لِكُلِّ إِنْسَانٍ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مِهْرَانُ وَحَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدٌ جَمِيعًا، عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَقُولُ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ مِثْلَ ذَلِكَ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كُلُّ طَائِفَةٍ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ تَقْضِي صَلَاتَهَا عَلَى مَا أَمْكَنَهَا، مِنْ غَيْرِ تَضْيِيعٍ مِنْهُمْ بَعْضَهَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ: أَنْ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ صَلَّى بِأَصْحَابِهِ صَلَاةَ الْخَوْفِ بِأَصْبَهَانَ إِذْ غَزَاهَا. قَالَ: فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ مِنَ الْقَوْمِ رَكْعَةً، وَطَائِفَةٌ تَحْرُسُ. فَنَكَصَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً، وَخَلَفَهُمُ الْآخَرُونَ فَقَامُوا مَقَامَهُمْ، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ، فَقَامَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ فَصَلَّتْ رَكْعَةً. حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى الْقَزَّازُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي مُوسَى، بِنَحْوِهِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ وَيُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَا: صَلَّى أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ بِأَصْحَابِهِ بِالدَّيْرِ مِنْ أَصْبَهَانَ، وَمَا بِهِمْ يَوْمئِذٍ خَوْفٌ، وَلَكِنَّهُ أَحَبَّ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ صَلَاتَهُمْ. فَصَفَّهُمْ بِصَفَّيْنِ: صَفًّا خَلْفَهُ، وَصَفًّا مُوَاجَهَةَ الْعَدُوِّ مُقْبِلِينَ عَلَى عَدُوِّهِمْ. فَصَلَّى بِالَّذِينَ يَلُونَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ ذَهَبُوا إِلَى مَصَافِّ أَصْحَابِهِمْ. وَجَاءَ أُولَئِكَ، فَصَفَّهُمْ خَلْفَهُ، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ. فَقَضَى هَؤُلَاءِ رَكْعَةً، وَهَؤُلَاءِ رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ. فَكَانَتْ لِلْإِمَامِ رَكْعَتَانِ فِي جَمَاعَةٍ، وَلَهُمْ رَكْعَةٌ رَكْعَةٌ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أَبِي مُوسَى، بِمِثْلِهِ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ قَالَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ: يُصَلِّي بِطَائِفَةٍ مِنَ الْقَوْمِ رَكْعَةً، وَطَائِفَةٌ تَحْرُسُ. ثُمَّ يَنْطَلِقُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً حَتَّى يَقُومُوا مَقَامَ أَصْحَابِهِمْ، ثُمَّ يَجِيءُ أُولَئِكَ فَيُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَةً، ثُمَّ يُسَلِّمُ. فَتَقُومُ كُلُّ طَائِفَةٍ فَتُصَلِّي رَكْعَةً. حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، بِنَحْوِهِ. حَدَّثَنِي عِمْرَانُ بْنُ بَكَّارٍ الْكُلَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَيَّاشٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، «عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ صَلَّى صَلَاةَ الْخَوْفِ، » فَذَكَرَ نَحْوَهُ. حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الْأُمَوِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوِهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ نَافِعٍ، «عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ: يَقُومُ الْأَمِيرُ وَطَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ فَيَسْجُدُونَ سَجْدَةً وَاحِدَةً، وَتَكُونُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْعَدُوِّ، » ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ الْحَرْبِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ الْحِمْصِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى، عَنْ نَافِعٍ، «عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى صَلَاةَ الْخَوْفِ بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَةً، » ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: " {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} " إِلَى قَوْلِهِ: " {فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} "، فَإِنَّهُ كَانَتْ تَأْخُذُ طَائِفَةٌ مِنْهُمُ السِّلَاحَ، فَيُقْبِلُونَ عَلَى الْعَدُوِّ، وَالطَّائِفَةُ الْأُخْرَى يُصَلُّونَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً، ثُمَّ يَأْخُذُونَ أَسْلِحَتَهُمْ فَيَسْتَقْبِلُونَ الْعَدُوَّ، وَيَرْجِعُ أَصْحَابُهُمْ فَيُصَلُّونَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً، فَيَكُونُ لِلْإِمَامِ رَكْعَتَانِ، وَلِسَائِرِ النَّاسِ رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ، ثُمَّ يَقْضُونَ رَكْعَةً أُخْرَى. وَهَذَا تَمَامُ الصَّلَاةِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ وَالْعَدُوُّ يَوْمئِذٍ فِي ظَهْرِ الْقِبْلَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، فَكَانَتِ الصَّلَاةُ الَّتِي صَلَّى بِهِمْ يَوْمئِذٍ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْخَوْفِ، إِذْ كَانَ الْعَدُوُّ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْقِبْلَةِ. ذِكْرُ الْأَخْبَارِ الْمَنْقُولَةِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ النَّضْرِ أَبِي عُمَرَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ، فَلَقِيَ الْمُشْرِكِينَ بِعُسْفَانَ، فَلَمَّا صَلَّى الظُّهْرَ فَرَأَوْهُ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ هُوَ وَأَصْحَابَهُ، قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ يَوْمئِذٍ: كَانَ فُرْصَةً لَكُمْ، لَوْ أَغَرْتُمْ عَلَيْهِمْ مَا عَلِمُوا بِكُمْ حَتَّى تُوَاقِعُوهُمْ! قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: فَإِنَّ لَهُمْ صَلَاةً أُخْرَى هِيَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، فَاسْتَعِدُّوا حَتَّى تُغِيرُوا عَلَيْهِمْ فِيهَا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} " إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، وَأَعْلَمَهُ مَا ائْتَمَرَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ. فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَصْرَ وَكَانُوا قِبَالَتَهُ فِي الْقِبْلَةِ، فَجَعَلَ الْمُسْلِمِينَ خَلْفَهُ صَفَّيْنِ، فَكَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَبَّرُوا جَمِيعًا، ثُمَّ رَكَعَ وَرَكَعُوا مَعَهُ جَمِيعًا. فَلَمَّا سَجَدَ سَجَدَ مَعَهُ الصَّفُّ الَّذِينَ يَلُونَهُ، وَقَامَ الصَّفُّ الَّذِينَ خَلْفَهُمْ مُقْبِلِينَ عَلَى الْعَدُوِّ، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سُجُودِهِ وَقَامَ، سَجَدَ الصَّفُّ الثَّانِي ثُمَّ قَامُوا، وَتَأَخَّرَ الَّذِينَ يَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقَدَّمَ الْآخَرُونَ، فَكَانُوا يَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَكَعَ رَكَعُوا مَعَهُ جَمِيعًا، ثُمَّ رَفَعَ فَرَفَعُوا مَعَهُ، ثُمَّ سَجَدَ فَسَجَدَ مَعَهُ الَّذِينَ يَلُونَهُ، وَقَامَ الصَّفُّ الثَّانِي مُقْبِلِينَ عَلَى الْعَدُوِّ، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سُجُودِهِ وَقَعَدَ الَّذِينَ يَلُونَهُ، سَجَدَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ، ثُمَّ قَعَدُوا فَتَشَهَّدُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمِيعًا، فَلَمَّا سَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا. فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِمُ الْمُشْرِكُونَ يَسْجُدُ بَعْضُهُمْ وَيَقُومُ بَعْضٌ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، قَالُوا: لَقَدْ أُخْبِرُوا بِمَا أَرَدْنَا!» حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ بَشِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ قَالَ: «حَدَّثَنِي مُجَاهِدٌ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُسْفَانَ وَالْمُشْرِكُونَ بِضَجْنَانَ بِالْمَاءِ الَّذِي يَلِي مَكَّةَ، فَلَمَّا صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظَّهْرَ فَرَأَوْهُ سَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ، قَالُوا: إِذَا صَلَّى صَلَاةً بَعْدَ هَذِهِ أَغَرْنَا عَلَيْهِ! فَحَذَّرَهُ اللَّهُ ذَلِكَ. فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ فَكَبَّرَ وَكَبَّرَ النَّاسُ مَعَهُ، » فَذَكَرَ نَحْوَهُ. حَدَّثَنِي عِمْرَانُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَيَّاشٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، «عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَقِينَا الْمُشْرِكِينَ بِنَخْلٍ، فَكَانُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ. فَلَمَّا حَضَرَتْ صَلَاةُ الظُّهْرِ، صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ جَمِيعٌ. فَلَمَّا فَرَغْنَا، تَذَامَرَ الْمُشْرِكُونَ، فَقَالُوا: لَوْ كُنَّا حَمْلَنَا عَلَيْهِمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ! فَقَالَ بَعْضُهُمْ: فَإِنَّ لَهُمْ صَلَاةً يَنْتَظِرُونَهَا تَأْتِي الْآنَ، هِيَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ أَبْنَائِهِمْ، فَإِذَا صَلَّوْا فَمِيلُوا عَلَيْهِمْ. قَالَ: فَجَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا بِالْخَبَرِ، وَعَلَّمَهُ كَيْفَ يُصَلِّي. فَلَمَّا حَضَرَتِ الْعَصْرُ، قَامَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا يَلِي الْعَدُوَّ، وَقُمْنَا خَلْفَهُ صَفَّيْنِ، فَكَبَّرَ نَبِيُّ اللَّهِ وَكَبَّرْنَا مَعَهُ جَمِيعًا، » ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوِهِ. حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «عَنْ أَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُسْفَانَ، فَصَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الظُّهْرِ، وَعَلَى الْمُشْرِكِينَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ. فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: لَقَدْ أَصَبْنَا مِنْهُمْ غِرَّةً، وَلَقَدْ أَصَبْنَا مِنْهُمْ غَفْلَةً!! فَأَنْزَلَ اللَّهُ صَلَاةَ الْخَوْفِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، فَصَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْعَصْرِ، [فَفَرَّقَنَا] يَعْنِي فِرْقَتَيْنِ، فِرْقَةً تُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِرْقَةً تُصَلِّي خَلْفَهُمْ يَحْرُسُونَهُمْ. ثُمَّ كَبَّرَ فَكَبَّرُوا جَمِيعًا، وَرَكَعُوا جَمِيعًا، ثُمَّ سَجَدَ الَّذِينَ يَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ فَتَقَدَّمَ الْآخَرُونَ فَسَجَدُوا، ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ بِهِمْ جَمِيعًا، ثُمَّ سَجَدَ بِالَّذِينَ يَلُونَهُ، حَتَّى تَأَخَّرَ هَؤُلَاءِ فَقَامُوا فِي مَصَافِّ أَصْحَابِهِمْ، ثُمَّ تَقَدَّمَ الْآخَرُونَ فَسَجَدُوا، ثُمَّ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ. فَكَانَتْ لِكُلِّهِمْ رَكْعَتَيْنِ مَعَ إِمَامِهِم». وَصَلَّى مَرَّةً أُخْرَى فِي أَرْضِ بَنِي سُلَيْمٍ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ، عَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَالُوا هَذِهِ الْمَقَالَةَ وَرَوَوْا هَذِهِ الرِّوَايَةَ: وَإِذَا كُنْتَ يَا مُحَمَّدُ، فِيهِمْ يَعْنِي: فِي أَصْحَابِكَ خَائِفًا" {فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} "، يَعْنِي: مِمَّنْ دَخَلَ مَعَكَ فِي صَلَاتِكَ"فَإِذَا سَجَدُوا" يَقُولُ: فَإِذَا سَجَدَتْ هَذِهِ الطَّائِفَةُ بِسُجُودِكَ، وَرَفَعَتْ رُءُوسَهَا مِنْ سُجُودِهَا"فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ"، يَقُولُ: فَلْيَصِرْ مَنْ خَلْفَكَ خَلْفَ الطَّائِفَةِ الَّتِي حَرَسَتْكَ وَإِيَّاهُمْ إِذَا سَجَدْتَ بِهِمْ وَسَجَدُوا مَعَكَ "وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا"، يَعْنِي الطَّائِفَةَ الْحَارِسَةَ الَّتِي صَلَّتْ مَعَهُ، غَيْرَ أَنَّهَا لَمْ تَسْجُدْ بِسُجُودِهِ. فَمَعْنَى قَوْلِهِ: "لَمْ يُصَلُّوا"- عَلَى مَذْهَبٍ هَؤُلَاءِ-: لَمْ يَسْجُدُوا بِسُجُودِكَ"فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ"، يَقُولُ: فَلْيَسْجُدُوا بِسُجُودِكَ إِذَا سَجَدْتَ، وَيَحْرُسُكَ وَإِيَّاهُمُ الَّذِينَ سَجَدُوا بِسُجُودِكَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَلِيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ"، يَعْنِي الْحَارِسَةَ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: فَإِذَا سَجَدَتِ الطَّائِفَةُ الَّتِي قَامَتْ مَعَكَ فِي صَلَاتِهَا"فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ"، يَعْنِي: مِنْ خَلْفِكَ وَخَلْفِ مَنْ يَدْخُلُ فِي صَلَاتِكَ مِمَّنْ لَمْ يُصَلِّ مَعَكَ الرَّكْعَةَ الْأُولَى بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ، وَبَعْدَ فَرَاغِهَا مِنْ بَقِيَّةِ صَلَاتِهَا "وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى"، وَهِيَ الطَّائِفَةُ الَّتِي كَانَتْ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ"لَمْ يُصَلُّوا"، يَقُولُ: لَمْ يُصَلُّوا مَعَكَ الرَّكْعَةَ الْأُولَى"فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ"، يَقُولُ: فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْكَ"وَلِيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ"، لِقِتَالِ عَدُوِّهِمْ، بَعْدَ مَا يَفْرَغُونَ مِنْ صَلَاتِهِمْ. وَذَلِكَ نَظِيرُ الْخَبَرِ الَّذِي رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ فَعَلَهُ يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ، وَالْخَبَرِ الَّذِي رَوَى سَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: ذَلِكَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ ذِكْرُهُ قَالَ: " {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} "، وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ"إِقَامَتَهَا"، إِتْمَامُهَا بِرُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا، وَدَلَّلْنَا مَعَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: " {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} "، إِنَّمَا هُوَ إِذْنٌ بِالْقَصْرِ مِنْ رُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا فِي حَالِ شِدَّةِ الْخَوْفِ. فَإِذْ صَحَّ ذَلِكَ، كَانَ بَيِّنًا أَنْ لَا وَجْهَ لِتَأْوِيلِ مَنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ: أَنَّ الطَّائِفَةَ الْأُولَى إِذَا سَجَدَتْ مَعَ الْإِمَامِ فَقَدِ انْقَضَتْ صَلَاتُهَا، لِقَوْلِهِ: " {فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ} "، لِاحْتِمَالِ ذَلِكَ مِنَ الْمَعَانِي مَا ذَكَرْتُ قَبْلُ، وَلِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِي الْآيَةِ عَلَى أَنَّ الْقَصْرَ الَّذِي ذَكَرَ فِي الْآيَةِ قَبْلَهَا، عُنِيَ بِهِ الْقَصْرُ مِنْ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ. وَإِذْ كَانَ لَا وَجْهَ لِذَلِكَ، فَقَوْلُ مَنْ قَالَ: "أُرِيدَ بِذَلِكَ التَّقَدُّمُ وَالتَّأَخُّرُ فِي الصَّلَاةِ، عَلَى نَحْوِ صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُسْفَانَ "، أَبْعَدُ. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ يَقُولُ: "وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ"، وَكِلْتَا الطَّائِفَتَيْنِ قَدْ كَانَتْ صَلَّتْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَهُ الْأُولَى فِي صِلَاتِهِ بِعُسْفَانَ. وَمُحَالٌ أَنْ تَكُونَ الَّتِي صَلَّتْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيَ الَّتِي لَمْ تُصَلِّ مَعَهُ. فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّهُ أُرِيدَ بِقَوْلِهِ: "لَمْ يُصَلُّوا"، لَمْ يَسْجُدُوا فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ الظَّاهِرِ الْمَفْهُومِ مِنْ مَعَانِي "الصَّلَاةِ"، وَإِنَّمَا تَوَجُّهُ مَعَانِي كَلَامِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِلَى الْأَظْهَرِ وَالْأَشْهَرِ مِنْ وُجُوهِهَا، مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ مَا يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْآيَةِ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرهُ لِلطَّائِفَةِ الْأُولَى بِتَأْخِيرِ قَضَاءِ مَا بَقِيَ عَلَيْهَا مِنْ صَلَاتِهَا إِلَى فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ بَقِيَّةِ صَلَاتِهِ، وَلَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ فِي اشْتِغَالِهَا بِقَضَاءِ ذَلِكَ ضَرَرٌ لَمْ يَكُنْ لِأَمْرِهَا بِتَأْخِيرٍ ذَلِكَ، وَانْصِرَافِهَا قَبْلَ قَضَاءِ بَاقِي صَلَاتِهَا عَنْ مَوْضِعِهَا، مَعْنًى. غَيْرَ أَنَّ الْأَمْرَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ، فَإِنَّا نَرَى أَنَّ مَنْ صَلَّاهَا مِنَ الْأَئِمَّةِ فَوَافَقَتْ صِلَاتُهُ بَعْضَ الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ صَلَّاهَا، فَصَلَاتُهُ مُجَزِّئَةٌ عَنْهُ تَامَّةٌ، لِصِحَّةِ الْأَخْبَارِ بِكُلِّ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّهُ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي عَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ، ثُمَّ أَبَاحَ لَهُمُ الْعَمَلَ بِأَيِّ ذَلِكَ شَاءُوا. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَمَّا قَوْلُهُ: " {وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ}، فَإِنَّهُ يَعْنِي: تَمَنَّى الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ "لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ": يَقُولُ: لَوْ تَشْتَغِلُونَ بِصَلَاتِكُمْ عَنْ أَسْلِحَتِكُمُ الَّتِي تُقَاتِلُونَهُمْ بِهَا، وَعَنْ أَمْتِعَتِكُمُ الَّتِي بِهَا بَلَاغُكُمْ فِي أَسْفَارِكُمْ فَتَسْهُونَ عَنْهَا. "فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً"، يَقُولُ: فَيَحْمِلُونَ عَلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ مَشَاغِيلُ بِصَلَاتِكُمْ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ حَمْلَةً وَاحِدَةً، فَيُصِيبُونَ مِنْكُمْ غِرَّةً بِذَلِكَ، فَيَقْتُلُونَكُمْ وَيَسْتَبِيحُونَ عَسْكَرَكُمْ. يَقُولُ جُلَّ ذِكْرُهُ: فَلَا تَفْعَلُوا ذَلِكَ بَعْدَ هَذَا، فَتَشْتَغِلُوا جَمِيعُكُمْ بِصَلَاتِكُمْ إِذَا حَضَرَتْكُمْ صَلَاتُكُمْ وَأَنْتُمْ مُوَاقِفُو الْعَدُوِّ، فَتُمَكِّنُوا عَدُوَّكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ وَأَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ، وَلَكِنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ عَلَى مَا بَيَّنْتُ لَكُمْ، وَخُذُوا مِنْ عَدُوِّكُمْ حِذْرَكُمْ وَأَسْلِحَتَكُمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْوَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: " {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} "، وَلَا حَرَجَ عَلَيْكُمْ وَلَا إِثْمَ " {إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ} "، يَقُولُ: إِنْ نَالَكُمْ [أَذًى] مِنْ مَطَرٍ تُمْطَرُونَهُ وَأَنْتُمْ مُوَاقِفُو عَدُوِّكُمْ " {أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى} "، يَقُولُ: أَوْ كُنْتُمْ جَرْحَى أَوْ أَعِلَّاءَ " {أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ} "، إِنْ ضَعُفْتُمْ عَنْ حَمْلِهَا، وَلَكِنْ إِنْ وَضَعْتُمْ أَسْلِحَتَكُمْ مِنْ أَذَى مَطَرٍ أَوْ مَرَضٍ، فَخُذُوا مِنْ عَدُوِّكُمْ"حِذْرَكُمْ"، يَقُولُ: احْتَرِسُوا مِنْهُمْ أَنْ يَمِيلُوا عَلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ عَنْهُمْ غَافِلُونَ غَارُّونَ" {إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} "، يَعْنِي بِذَلِكَ: أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُذِلًّا يَبْقَوْنَ فِيهِ أَبَدًا، لَا يَخْرُجُونَ مِنْهُ. وَذَلِكَ هُوَ عَذَابُ جَهَنَّمَ. وَقَدْ ذَكَرَ أَنَّ قَوْلَهُ: " {أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى} " نَزَلَ فِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَكَانَ جَرِيحًا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي يَعْلَى بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " {إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى} "، عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، كَانَ جَرِيحًا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: فَإِذَا فَرَغْتُمْ، أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، مِنْ صَلَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ مُوَاقِفُو عَدُوِّكُمُ الَّتِي بَيَّنَّاهَا لَكُمْ، فَاذْكُرُوا اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْوَالِكُمْ قِيَامًا وَقُعُودًا وَمُضْطَجِعِينَ عَلَى جَنُوبِكُمْ، بِالتَّعْظِيمِ لَهُ، وَالدُّعَاءِ لِأَنْفُسِكُمْ بِالظَّفَرِ عَلَى عَدُوِّكُمْ، لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُظْفِرَكُمْ وَيَنْصُرَكُمْ عَلَيْهِمْ. وَذَلِكَ نَظِيرُ قَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 45]، وَكَمَا:- حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: " {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا} "، يَقُولُ: لَا يَفْرِضُ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ فَرِيضَةً إِلَّا جَعَلَ لَهَا حَدًّا مَعْلُومًا، ثُمَّ عَذَرَ أَهْلَهَا فِي حَالِ عُذْرٍ، غَيْرَ الذِّكْرِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ حَدًّا يَنْتَهِي إِلَيْهِ، وَلَمْ يَعْذُرْ أَحَدًا فِي تَرْكِهِ إِلَّا مَغْلُوبًا عَلَى عَقْلِهِ، فَقَالَ: " {فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} "، بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَفِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، وَالْغِنَى وَالْفَقْرِ، وَالسُّقْمِ وَالصِّحَّةِ، وَالسِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " {فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} "، فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى قَوْلِهِ: " {فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ} "، فَإِذَا اسْتَقْرَرْتُمْ فِي أَوْطَانِكُمْ وَأَقَمْتُمْ فِي أَمْصَارِكُمْ "فَأَقِيمُوا"، يَعْنِي: فَأَتِمُّوا الصَّلَاةَ الَّتِي أَذِنَ لَكُمْ بِقَصْرِهَا فِي حَالِ خَوْفِكُمْ فِي سَفَرِكُمْ وَضَرْبِكُمْ فِي الْأَرْضِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: " {فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ} "، قَالَ: الْخُرُوجُ مِنْ دَارِ السَّفَرِ إِلَى دَارِ الْإِقَامَةِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: " {فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ} "، يَقُولُ: إِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فِي أَمْصَارِكُمْ، فَأَتِمُّوا الصَّلَاةَ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: "فَإِذَا اسْتَقْرَرْتُمْ""فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ"، أَيْ: فَأَتِمُّوا حُدُودَهَا بِرُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: " {فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ} "، قَالَ: فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ بَعْدَ الْخَوْفِ. وَحَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: " {فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} "، قَالَ: فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَصَلُّوا الصَّلَاةَ، لَا تُصَلِّهَا رَاكِبًا وَلَا مَاشِيًا وَلَا قَاعِدًا. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: " {فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} "، قَالَ: أَتِمُّوهَا. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ، تَأْوِيلُ مَنْ تَأَوَّلُهُ: فَإِذَا زَالَ خَوْفُكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَأَمِنْتُمْ، أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، وَاطْمَأَنَّتْ أَنْفُسُكُمْ بِالْأَمْنِ"فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ"، فَأَتِمُّوا حُدُودَهَا الْمَفْرُوضَةَ عَلَيْكُمْ، غَيْرَ قَاصِرِيهَا عَنْ شَيْءٍ مِنْ حُدُودِهَا. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالْآيَةِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَرَّفَ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِمْ مِنْ فَرْضِ صَلَاتِهِمْ بِهَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ فِي حَالَيْنِ: إِحْدَاهُمَا: حَالُ شِدَّةِ خَوْفٍ، أَذِنَ لَهُمْ فِيهَا بِقَصْرِ الصَّلَاةِ، عَلَى مَا بَيَّنْتُ مِنْ قَصْرِ حُدُودِهَا عَنِ التَّمَامِ. وَالْأُخْرَى: حَالُ غَيْرِ شِدَّةِ الْخَوْفِ، أَمَرَهُمْ فِيهَا بِإِقَامَةِ حُدُودِهَا وَإِتْمَامِهَا، عَلَى مَا وَصَفَهُ لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، مِنْ مُعَاقَبَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا فِي الصَّلَاةِ خَلْفَ أَئِمَّتِهِمْ، وَحِرَاسَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا مِنْ عَدُوِّهِمْ. وَهِيَ حَالَةٌ لَا قَصْرَ فِيهَا، لِأَنَّهُ يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْحَالِ: " {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} ". فَمَعْلُومٌ بِذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: " {فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} "، إِنَّمَا هُوَ: فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ مِنَ الْحَالِ الَّتِي لَمْ تَكُونُوا مُقِيمِينَ فِيهَا صَلَاتَكُمْ، فَأَقِيمُوهَا. وَتِلْكَ حَالَةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ، لِأَنَّهُ قَدْ أَمَرَهُمْ بِإِقَامَتِهَا فِي حَالِ غَيْرِ شِدَّةِ الْخَوْفِ بِقَوْلِهِ: " {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} " الْآيَةَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فَرِيضَةً مَفْرُوضَةً.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ فِي قَوْلِهِ: " {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} "، قَالَ: مَفْرُوضًا. حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: " {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} "، قَالَ: مَفْرُوضًا، "المَوْقُوتُ"، الْمَفْرُوضُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: أَمَّا" {كِتَابًا مَوْقُوتًا} "، فَمَفْرُوضًا. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: " {كِتَابًا مَوْقُوتًا} "، قَالَ: مَفْرُوضًا. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فَرْضًا وَاجِبًا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءَ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: " {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} "، قَالَ: كِتَابًا وَاجِبًا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: " {كِتَابًا مَوْقُوتًا} "، قَالَ: وَاجِبًا. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ سَامٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ فِي قَوْلِهِ: " {كِتَابًا مَوْقُوتًا} "، قَالَ: مُوجَبًا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: " {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} "، وَ "المَوْقُوتُ"، الْوَاجِبُ. حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْمَرُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ يَقُولُ: " {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} "، قَالَ: وَجُوبُهَا. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا، مُنَجَّمًا يُؤَدُّونَهَا فِي أَنْجُمِهَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: " {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} "، قَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إِنَّ لِلصَّلَاةِ وَقْتًا كَوَقْتِ الْحَجِّ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي قَوْلِهِ: " {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} "، قَالَ: مُنَجَّمًا، كُلَّمَا مَضَى نَجْمٌ جَاءَ نَجْمٌ آخَرُ. يَقُولُ: كُلَّمَا مَضَى وَقْتٌ جَاءَ وَقْتٌ آخَرُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، بِمِثْلِهِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ قَرِيبٌ مَعْنَى بَعْضِهَا مِنْ بَعْضٍ. لِأَنَّ مَا كَانَ مَفْرُوضًا فَوَاجِبٌ، وَمَا كَانَ وَاجِبًا أَدَاؤُهُ فِي وَقْتٍ بَعْدَ وَقْتٍ فَمُنَجَّمٌ. غَيْرَ أَنَّ أَوْلَى الْمَعَانِي بِتَأْوِيلِ الْكَلِمَةِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: "إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فَرْضًا مُنَجَّمًا"، لِأَنَّ "المَوْقُوتَ" إِنَّمَا هُوَ"مَفْعُولٌ" مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: "وَقَتَ اللَّهُ عَلَيْكَ فَرْضَهُ فَهُوَ يَقِتُهُ"، فَفَرْضُهُ عَلَيْكَ"مَوْقُوتٌ"، إِذَا أَخَّرْتَهُ، جَعَلَ لَهُ وَقْتًا يَجِبُ عَلَيْكَ أَدَاؤُهُ. فَكَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ: " {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} "، إِنَّمَا هُوَ: كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فَرْضًا وَقَّتَ لَهُمْ وَقْتَ وُجُوبِ أَدَائِهِ، فَبَيَّنَ ذَلِكَ لَهُمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَوَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: "وَلَا تَهِنُوا"، وَلَا تَضْعُفُوا. مِنْ قَوْلِهِمْ: "وَهَنَ فُلَانٌ فِي هَذَا الْأَمْرَ يَهِنُ وَهْنًا وَوُهُونًا". وَقَوْلُهُ: " {فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ} "، يَعْنِي: فِي الْتِمَاسِ الْقَوْمِ وَطَلَبِهِمْ، وَ "القَوْمُ" هُمْ أَعْدَاءُ اللَّهِ وَأَعْدَاءُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ بِاللَّهِ" {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ} "، يَقُولُ: إِنْ تَكُونُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، تَيْجَعُونَ مِمَّا يَنَالُكُمْ مِنَ الْجِرَاحِ مِنْهُمْ فِي الدُّنْيَا، " {فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ} "، يَقُولُ: فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ يَيْجَعُونَ مِمَّا يَنَالُهُمْ مِنْكُمْ مِنَ الْجِرَاحِ وَالْأَذَى مِثْلَ مَا تَيْجَعُونَ أَنْتُمْ مِنْ جِرَاحِهِمْ وَأَذَاهُمْ فِيهَا"وَتَرْجُونَ"، أَنْتُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ "مِنَ اللَّهِ" مِنَ الثَّوَابِ عَلَى مَا يَنَالُكُمْ مِنْهُمْ " {مَا لَا يَرْجُونَ} " هُمْ عَلَى مَا يَنَالُهُمْ مِنْكُمْ. يَقُولُ: فَأَنْتُمْ إِذْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ مِنْ ثَوَابِ اللَّهِ لَكُمْ عَلَى مَا يُصِيبُكُمْ مِنْهُمْ، بِمَا هُمْ بِهِ مُكَذِّبُونَ، أَوْلَى وَأَحْرَى أَنْ تَصْبِرُوا عَلَى حَرْبِهِمْ وَقِتَالِهِمْ، مِنْهُمْ عَلَى قِتَالِكُمْ وَحَرْبِكُمْ، وَأَنْ تَجِدُّوا مِنْ طَلَبِهِمْ وَابْتِغَائِهِمْ، لِقِتَالِهِمْ عَلَى مَا يَهِنُونَ فِيهِ وَلَا يَجِدُّونَ، فَكَيْفَ عَلَى مَا جَدُّوا فِيهِ وَلَمْ يَهِنُوا؟ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: " {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ} "، يَقُولُ: لَا تَضْعُفُوا فِي طَلَبِ الْقَوْمِ، فَإِنَّكُمْ إِنْ تَكُونُوا تَيْجَعُونَ، فَإِنَّهُمْ يَيْجَعُونَ كَمَا تَيْجَعُونَ، وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مِنَ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ مَا لَا يَرْجُونَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: " {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ} "، قَالَ يَقُولُ: لَا تَضْعُفُوا فِي طَلَبِ الْقَوْمِ، فَإِنْ تَكُونُوا تَيْجَعُونَ الْجِرَاحَاتِ، فَإِنَّهُمْ يَيْجَعُونَ كَمَا تَيْجَعُونَ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: " {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ} "، لَا تَضْعُفُوا. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ قَوْلُهُ: " {وَلَا تَهِنُوا} "، يَقُولُ: لَا تَضْعُفُوا. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: " {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ} "، قَالَ يَقُولُ: لَا تَضْعُفُوا عَنِ ابْتِغَائِهِمْ"إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ" الْقِتَالَ" {فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ} ". وَهَذَا قَبْلَ أَنْ تُصِيبَهُمُ الْجِرَاحُ-إِنْ كُنْتُمْ تَكْرَهُونَ الْقِتَالَ فَتَأْلَمُونَهُ- " {فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ} "، يَقُولُ: فَلَا تَضْعُفُوا فِي ابْتِغَائِهِمْ بِمَكَانِ الْقِتَالِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: " {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ} "، تُوجَعُونَ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ " {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ} "، قَالَ: تُوجَعُونَ لِمَا يُصِيبُكُمْ مِنْهُمْ، فَإِنَّهُمْ يُوجَعُونَ كَمَا تُوجَعُونَ، وَتَرْجُونَ أَنْتُمْ مِنَ الثَّوَابِ فِيمَا يُصِيبُكُمْ مَا لَا يَرْجُونَ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ أَبَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «لَمَّا كَانَ قِتَالُ أُحُدٍ، وَأَصَابَ الْمُسْلِمِينَ مَا أَصَابَ، صَعَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَبَلَ، فَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: "يَا مُحَمَّدُ، أَلَا تَخْرُجُ؟ أَلَا تَخْرُجُ؟ الْحَرْبُ سِجَالٌ، يَوْمٌ لَنَا وَيَوْمٌ لَكُمْ". فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: أَجِيبُوهُ. فَقَالُوا: "لَا سَوَاءَ، لَا سَوَاءَ، قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلَاكُمْ فِي النَّارِ". فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: "عُزَّى لَنَا وَلَا عُزَّى لَكُمْ"، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُولُوا لَهُ: "اللَّهُ مَوْلَانَا وَلَا مَوْلَى لَكُمْ". قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: "اعْلُ هُبَلُ، اعْلُ هُبْلُ"! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُولُوا لَهُ: "اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ"! فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: "مَوْعِدُنَا وَمَوْعِدُكُمْ بَدْرٌ الصُّغْرَى"، وَنَامَ الْمُسْلِمُونَ وَبِهِمُ الْكُلُوم» وَقَالَ عِكْرِمَةُ: وَفِيهَا أُنْزِلَتْ: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 140]، وَفِيهِمْ أُنْزِلَتْ: " {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} ". حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ: " {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ} "، قَالَ: يَيْجَعُونَ كَمَا تَيْجَعُونَ. وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ كَانَ يَتَأَوَّلُ قَوْلَهُ: " {وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ} "، وَتَخَافُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَخَافُونَ، مِنْ قَوْلِ اللَّهِ: {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ} [سُورَةُ الْجَاثِيَة: 14]، بِمَعْنَى: لَا يَخَافُونَ أَيَّامَ اللَّهِ. وَغَيْرُ مَعْرُوفٍ صَرْفُ "الرَّجَاءِ" إِلَى مَعْنَى "الخَوْفِ" فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، إِلَّا مَعَ جَحْدٍ سَابِقٍ لَهُ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} [سُورَةُ نُوحٍ: 13]، بِمَعْنَى: لَا تَخَافُونَ لِلَّهِ عَظَمَةً، وَكَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: لَا تَرْتَجِـي حِـينَ تُلَاقِـي الذَّائِـدَا *** أَسَـبْعَةً لَاقَـتْ مَعًـا أَمْ وَاحِـدَا وَكَمَا قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ الْهُذَلِيُّ: إِذَا لَسَـعَتْهُ النَّحْـلُ لَـمْ يَـرْجُ لَسْـعَهَا *** وَخَالَفَهَـا فِـي بَيْـتِ نُـوبٍ عَـوَامِلِ وَهِيَ فِيمَا بَلَغَنَا- لُغَةٌ لِأَهْلِ الْحِجَازِ يَقُولُونَهَا، بِمَعْنَى: مَا أُبَالِي، وَمَا أَحْفِلُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}. يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَلَمْ يَزَلِ اللَّهُ "عَلِيمًا" بِمَصَالِحِ خَلْقِهِ"حَكِيمًا"، فِي تَدْبِيرِهِ وَتَقْدِيرِهِ. وَمِنْ عِلْمِهِ، أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، بِمَصَالِحِكُمْ عَرَّفَكُمْ- عِنْدَ حُضُورِ صَلَاتِكُمْ وَوَاجِبِ فَرْضِ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، وَأَنْتُمْ مُوَاقِفُو عَدُوِّكُمْ- مَا يَكُونُ بِهِ وُصُولُكُمْ إِلَى أَدَاءِ فَرْضِ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، وَالسَّلَامَةُ مِنْ عَدُوِّكُمْ. وَمِنْ حِكْمَتِهِ بَصَّرَكُمْ مَا فِيهِ تَأْيِيدُكُمْ وَتَوْهِينُ كَيَدِ عَدُوِّكُمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: " {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} "، "إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ" يَا مُحَمَّدُ "الْكِتَابَ"، يَعْنِي: الْقُرْآنَ"لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ"، لِتَقْضِيَ بَيْنَ النَّاسِ فَتَفْصِلُ بَيْنَهُمْ"بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ "، يَعْنِي: بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِهِ"وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا"، يَقُولُ: وَلَا تَكُنْ لِمَنْ خَانَ مُسْلِمًا أَوْ مُعَاهِدًا فِي نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ"خَصِيمًا" تُخَاصِمُ عَنْهُ، وَتَدْفَعُ عَنْهُ مَنْ طَالَبَهُ بِحَقِّهِ الَّذِي خَانَهُ فِيهِ"وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ"، يَا مُحَمَّدُ، وَسَلْهُ أَنْ يَصْفَحَ لَكَ عَنْ عُقُوبَةِ ذَنْبِكَ فِي مُخَاصَمَتِكَ عَنِ الْخَائِنِ مَنْ خَانَ مَالًا لِغَيْرِهِ"إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا"، يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَزَلْ يَصْفَحُ عَنْ ذُنُوبِ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، بِتَرْكِهِ عُقُوبَتَهُمْ عَلَيْهَا إِذَا اسْتَغْفَرُوهُ مِنْهَا"رَحِيمًا" بِهِمْ. فَافْعَلْ ذَلِكَ أَنْتَ، يَا مُحَمَّدُ، يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ مَا سَلَفَ مِنْ خُصُومَتِكَ عَنْ هَذَا الْخَائِنِ. وَقَدْ قِيلَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ خَاصَمَ عَنِ الْخَائِنِ، وَلَكِنَّهُ هَمَّ بِذَلِكَ، فَأَمَرَهُ اللَّهُ بِالِاسْتِغْفَارِ مِمَّا هَمَّ بِهِ مِنْ ذَلِكَ. وَذَكَرَ أَنَّ الْخَائِنِينَ الَّذِينَ عَاتَبَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خُصُومَتِهِ عَنْهُمْ: بَنُو أُبَيْرِقٍ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي خِيَانَتِهِ الَّتِي كَانَتْ مِنْهُ، فَوَصَفَهُ اللَّهُ بِهَا. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَتْ سَرِقَةً سَرَقَهَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ: " {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} " إِلَى قَوْلِهِ: " {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} "، فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ، فِي ابْنِ أُبَيْرِقٍ، وَدِرْعُهُ مِنْ حَدِيدٍ، مِنْ يَهُودَ، الَّتِي سَرَقَ، وَقَالَ أَصْحَابُهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لِلنَّبِيِّ: "اعْذُرْهُ فِي النَّاسِ بِلِسَانِكَ"، وَرَمَوْا بِالدِّرْعِ رَجُلًا مِنْ يَهُودَ بَرِيئًا. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ نَحْوَهُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي شُعَيْبٍ أَبُو مُسْلِمٍ الْحَرَّانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ قَالَ: كَانَ أَهْلُ بَيْتٍ مِنَّا يُقَالُ لَهُمْ بَنُو أُبَيْرِقٍ: بِشْرٌ وَبَشِيرٌ، وَمُبَشِّرٌ، وَكَانَ بَشِيرٌ رَجُلًا مُنَافِقًا، وَكَانَ يَقُولُ الشِّعْرَ يَهْجُو بِهِ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ يَنْحَلُهُ إِلَى بَعْضِ الْعَرَبِ، ثُمَّ يَقُولُ: "قَالَ فُلَانٌ كَذَا"، وَ"قَالَ فُلَانٌ كَذَا"، فَإِذَا سَمِعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ الشِّعْرَ قَالُوا: وَاللَّهُ مَا يَقُولُ هَذَا الشِّعْرَ إِلَّا الْخَبِيثُ! فَقَالَ: أَوَ كُلَّمَـا قَـالَ الرِّجَـالُ قَصِيـدَةً *** أَضِمُـوا وَقَـالُوا: ابْـنُ الْأُبَيْرِقِ قَالَهَا! قَالَ: وَكَانُوا أَهْلَ بَيْتِ فَاقَةٍ وَحَاجَةٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ، وَكَانَ النَّاسُ إِنَّمَا طَعَامُهُمْ بِالْمَدِينَةِ التَّمْرُ وَالشَّعِيرُ، وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا كَانَ لَهُ يَسَارٌ فَقَدِمَتْ ضَافِطَةٌ مِنَ الشَّأْمِ بالدَّرْمَكِ، ابْتَاعَ الرَّجُلُ مِنْهَا فَخَصَّ بِهِ نَفْسَهُ. فَأَمَّا الْعِيَالُ، فَإِنَّمَا طَعَامُهُمُ التَّمْرُ وَالشَّعِيرُ. فَقَدِمَتْ ضَافِطَةٌ مِنَ الشَّأْمِ، فَابْتَاعَ عَمِّي رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ حِمْلًا مِنَ الدَّرْمَكِ، فَجَعَلَهُ فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ، وَفِي الْمُشْرُبَةِ سِلَاحٌ لَهُ: دِرْعَانِ وَسَيْفَاهُمَا وَمَا يُصْلِحُهُمَا. فَعُدِيَ عَلَيْهِ مِنْ تَحْتِ اللَّيْلِ، فَنُقِبَتِ الْمُشْرُبَةُ، وَأُخِذَ الطَّعَامُ وَالسِّلَاحُ. فَلَمَّا أَصْبَحَ، أَتَانِي عَمِّي رِفَاعَةُ فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، تَعَلَّمْ أَنَّهُ قَدْ عُدِيَ عَلَيْنَا فِي لَيْلَتِنَا هَذِهِ، فَنُقِبَتْ مَشْرُبَتُنَا، فَذُهِبَ بِسِلَاحِنَا وَطَعَامِنَا! قَالَ: فَتَحَسَّسْنَا فِي الدَّارِ، وَسَأَلْنَا، فَقِيلَ لَنَا: قَدْ رَأَيْنَا بَنِي أُبَيْرِقٍ اسْتَوْقَدُوا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ، وَلَا نَرَى فِيمَا نَرَاهُ إِلَّا عَلَى بَعْضِ طَعَامِكُمْ. قَالَ: وَقَدْ كَانَ بَنُو أُبَيْرِقٍ قَالُوا وَنَحْنُ نَسْأَلُ فِي الدَّارِ: وَاللَّهِ مَا نَرَى صَاحِبَكُمْ إِلَّا لَبِيدَ بْنَ سَهْلٍ! رَجُلًا مِنَّا لَهُ صَلَاحٌ وَإِسْلَامٌ. فَلَمَّا سَمِعَ بِذَلِكَ لَبِيَدٌ، اخْتَرَطَ سَيْفَهُ ثُمَّ أَتَى بَنِي أُبَيْرِقٍ فَقَالَ: وَاللَّهِ لِيُخَالِطَنَّكُمْ هَذَا السَّيْفُ، أَوْ لَتُبَيِّنُنَّ هَذِهِ السَّرِقَةَ. قَالُوا: إِلَيْكَ عَنَّا أَيُّهَا الرَّجُلُ، فَوَاللَّهِ مَا أَنْتَ بِصَاحِبِهَا! فَسَأَلْنَا فِي الدَّارِ حَتَّى لَمْ نَشُكَّ أَنَّهُمْ أَصْحَابُهَا، فَقَالَ عَمِّي: يَا ابْنَ أَخِي، لَوْ أَتَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتَ ذَلِكَ لَهُ! قَالَ قَتَادَةُ: فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَهْلَ بَيْتٍ مِنَّا أَهْلَ جَفَاءٍ، عَمَدُوا إِلَى عَمِّي رِفَاعَةَ فَنَقَبُوا مَشْرُبَةً لَهُ، وَأَخَذُوا سِلَاحَهُ وَطَعَامَهُ، فَلْيَرُدُّوا عَلَيْنَا سِلَاحَنَا، فَأَمَّا الطَّعَامُ فَلَا حَاجَةَ لَنَا فِيهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْظُرُ فِي ذَلِكَ. فَلَمَّا سَمِعَ بِذَلِكَ بَنُو أُبَيْرِقٍ، أَتَوْا رَجُلًا مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ: " أَسِيرُ بْنُ عُرْوَةَ "، فَكَلَّمُوهُ فِي ذَلِكَ. وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ، فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ قَتَادَةَ بْنَ النُّعْمَانِ وَعَمَّهُ عَمَدُوا إِلَى أَهْلِ بَيْتٍ مِنَّا أَهْلَ إِسْلَامٍ وَصَلَاحٍ يَرْمُونَهُمْ بِالسَّرِقَةِ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلَا ثَبَتٍ. قَالَ قَتَادَةُ: فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمْتُهُ، فَقَالَ: عَمَدْتَ إِلَى أَهْلِ بَيْتٍ ذُكِرَ مِنْهُمْ إِسْلَامٌ وَصَلَاحٌ، تَرْمِيهِمْ بِالسَّرِقَةِ عَلَى غَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلَا ثَبَتٍ!! قَالَ: فَرَجَعْتُ وَلَوَدِدْتُ أَنِّي خَرَجْتُ مِنْ بَعْضِ مَالِي وَلَمْ أُكَلِّمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ. فَأَتَيْتُ عَمِّي رِفَاعَةَ، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، مَا صَنَعْتَ؟ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ! فَلَمْ نَلْبَثْ أَنْ نَزَلَ الْقُرْآنُ: " {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} "، يَعْنِي: بَنِي أُبَيْرِقٍ "وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ"، أَيْ: مِمَّا قُلْتَ لِقَتَادَةَ " {إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ} "، أَيْ: بَنِي أُبَيْرِقٍ "إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ إِلَى قَوْلِهِ: " {ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} "، أَيْ: إِنَّهُمْ إِنْ يَسْتَغْفِرُوا اللَّهَ يَغْفِرْ لَهُمْ" {وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} "، قَوْلُهُمْ لِلَبِيدٍ " {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ} "، يَعْنِي: أَسِيرًا وَأَصْحَابَهُ" {وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} " إِلَى قَوْلِهِ: " {فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} ". فَلَمَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ، أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسِّلَاحِ فَرَدَّهُ إِلَى رِفَاعَةَ. قَالَ قَتَادَةُ: فَلَمَّا أَتَيْتُ عَمِّي بِالسِّلَاحِ، وَكَانَ شَيْخًا قَدْ عَسَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكُنْتُ أَرَى إِسْلَامَهُ مَدْخُولًا فَلَمَّا أَتَيْتُهُ بِالسِّلَاحِ قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، هُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. قَالَ: فَعَرَفْتُ أَنَّ إِسْلَامَهُ كَانَ صَحِيحًا. فَلَمَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ، لَحِقَ بَشِيرٌ بِالْمُشْرِكِينَ، فَنَزَلَ عَلَىسُلَافَةَ ابْنَةِ سَعْدِ بْنِ شُهَيْدٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا}. فَلَمَّا نَزَلَ عَلَىسُلَافَةَ، رَمَاهَا حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ بِأَبْيَاتٍ مِنْ شِعْرٍ، فَأَخَذَتْ رَحْلَهُ فَوَضَعَتْهُ عَلَى رَأْسِهَا، ثُمَّ خَرَجَتْ فَرَمَتْ بِهِ فِي الْأَبْطُحِ، ثُمَّ قَالَتْ: أَهْدَيْتَ إِلَيَّ شِعْرَ حَسَّانَ! مَا كُنْتَ تَأْتِينِي بِخَيْرٍ ! حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: " {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} "، يَقُولُ: بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَيَّنَ لَكَ" {وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} "، فَقَرَأَ إِلَى قَوْلِهِ: " {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا} ". ذُكِرَ لَنَا أَنَّ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ أُنْزِلَتْ فِي شَأْنِ طُعْمَةَ بْنِ أُبَيْرِقٍ، وَفِيمَا هَمَّ بِهِ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عُذْرِهِ، وَبَيَّنَ اللَّهُ شَأْنَ طُعْمَةَ بْنِ أُبَيْرِقٍ، وَوَعَظَ نَبِيَّهُ وَحَذَّرَهُ أَنْ يَكُونَ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا. وَكَانَ طُعْمَةُ بْنُ أُبَيْرِقٍ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، ثُمَّ أَحَدُ بَنِي ظَفَرٍ، سَرَقَ دِرْعًا لِعَمِّهِ كَانَتْ وَدِيعَةً عِنْدَهُ، ثُمَّ قَذَفَهَا عَلَى يَهُودِيٍّ كَانَ يَغْشَاهُمْ، يُقَالُ لَهُ: "زَيْدُ بْنُ السَّمِينِ ". فَجَاءَ الْيَهُودِيُّ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهْنِفُ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَوْمُهُ بَنُو ظَفَرٍ، جَاءُوا إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَعْذُرُوا صَاحِبَهُمْ، وَكَانَ نَبِيُّ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَدْ هَمَّ بِعُذْرِهِ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ فِي شَأْنِهِ مَا أَنْزَلَ، فَقَالَ: " {وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ}" إِلَى قَوْلِهِ: " {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} "، يَعْنِي بِذَلِكَ قَوْمَهُ" {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} "، وَكَانَ طُعْمَةُ قَذَفَ بِهَا بَرِيئًا. فَلَمَّا بَيَّنَ اللَّهُ شَأْنَ طُعْمَةَ، نَافَقَ وَلَحِقَ بِالْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي شَأْنِهِ: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ «: " {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} "، وَذَلِكَ أَنَّ نَفَرًا مِنَ الْأَنْصَارِ غَزَوْا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ غَزَوَاتِهِ، فَسُرِقَتْ دِرْعٌ لِأَحَدِهِمْ، فَأَظَنَّ بِهَا رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، فَأَتَى صَاحِبُ الدِّرْعِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ طُعْمَةَ بْنِ أُبَيْرِقٍ سَرَقَ دِرْعِي. فَأُتِيَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا رَأَى السَّارِقُ ذَلِكَ، عَمَدَ إِلَيْهَا فَأَلْقَاهَا فِي بَيْتِ رَجُلٍ بَرِيءٍ، وَقَالَ لِنَفَرٍ مِنْ عَشِيرَتِهِ: إِنِّي قَدْ غَيَّبْتُ الدِّرْعَ وَأَلْقَيْتُهَا فِي بَيْتِ فُلَانٍ، وَسَتُوجَدُ عِنْدَهُ. فَانْطَلَقُوا إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلًا فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنَّ صَاحِبَنَا بَرِيءٌ، وَإِنَّ سَارِقَ الدِّرْعِ فُلَانٌ، وَقَدْ أَحَطْنَا بِذَلِكَ عِلْمًا، فَاعْذُرْ صَاحِبَنَا عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ وَجَادِلْ عَنْهُ، فَإِنَّهُ إِلَّا يَعْصِمُهُ اللَّهُ بِكَ يَهْلَكُ! فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَرَّأَهُ وَعَذَرَهُ عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: " {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} "، يَقُولُ: احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فِي الْكِتَابِ"وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ" الْآيَةَ. ثُمَّ قَالَ لِلَّذِينَ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَيْلًا" {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ} " إِلَى قَوْلِهِ: " {أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا} "، يَعْنِي: الَّذِينَ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَخْفِينَ يُجَادِلُونَ عَنِ الْخَائِنِ ثُمَّ قَالَ: " {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} "، يَعْنِي: الَّذِينَ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَخْفِينَ بِالْكَذِبِ ثُمَّ قَالَ: " {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} "، يَعْنِي: السَّارِقَ وَالَّذِينَ يُجَادِلُونَ عَنِ السَّارِقِ. » حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ «: " {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} "الْآيَةَ، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ سَرَقَ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَرَحَهُ عَلَى يَهُودِيٍّ، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: وَاللَّهِ مَا سَرَقْتُهَا يَا أَبَا الْقَاسِمِ، وَلَكِنْ طُرِحَتْ عَلَيَّ! وَكَانَ لِلرَّجُلِ الَّذِي سَرَقَ جِيرَانٌ يُبَرِّئُونَهُ وَيَطْرَحُونَهُ عَلَى الْيَهُودِيِّ وَيَقُولُونَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هَذَا الْيَهُودِيَّ الْخَبِيثَ يَكْفُرُ بِاللَّهِ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ! قَالَ: حَتَّى مَالَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَعْضِ الْقَوْلِ، فَعَاتَبَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: " {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ}" بِمَا قُلْتَ لِهَذَا الْيَهُودِيِّ"إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا" ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى جِيرَانِهِ فَقَالَ: " {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} " فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ" {أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا} ". قَالَ: ثُمَّ عَرَضَ التَّوْبَةَ فَقَالَ: " {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ} "، فَمَا أَدْخَلَكُمْ أَنْتُمْ أَيُّهَا النَّاسُ، عَلَى خَطِيئَةِ هَذَا تَكَلَّمُونَ دُونَهُ" {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا} "، وَإِنْ كَانَ مُشْرِكًا" {فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} "، فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ: " {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ} "، فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ: " {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى} ". قَالَ: أَبَى أَنْ يَقْبَلَ التَّوْبَةَ الَّتِي عَرَضَ اللَّهُ لَهُ، وَخَرَجَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ، فَنَقَبَ بَيْتًا يَسْرِقُهُ، فَهَدَمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ. فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى " {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى} "، فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ"وَسَاءَتْ مَصِيرًا" وَيُقَالُ: هُوَ طُعْمَةُ بْنُ أُبَيْرِقٍ، وَكَانَ نَازِلًا فِي بَنِي ظَفَرٍ ». وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الْخِيَانَةُ الَّتِي وَصَفَ اللَّهُ بِهَا مَنْ وَصَفَهُ بِقَوْلِهِ: " {وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} "، جُحُودُهُ وَدِيعَةً كَانَ أُودِعَهَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: " {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} "، قَالَ: أَمَّا"مَا أَرَاكَ اللَّهُ "، فَمَا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْكَ. قَالَ: نَزَلَتْ فِي طُعْمَةَ بْنِ أُبَيْرِقٍ، اسْتَوْدَعَهُ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ دِرْعًا، فَانْطَلَقَ بِهَا إِلَى دَارِهِ، فَحَفَرَ لَهَا الْيَهُودِيُّ ثُمَّ دَفَنَهَا. فَخَالَفَ إِلَيْهَا طُعْمَةُ فَاحْتَفَرَ عَنْهَا فَأَخَذَهَا. فَلَمَّا جَاءَ الْيَهُودِيُّ يَطْلُبُ دِرْعَهُ، كَافَرَهُ عَنْهَا، فَانْطَلَقَ إِلَى نَاسٍ مِنَ الْيَهُودِ مِنْ عَشِيرَتِهِ فَقَالَ: انْطَلِقُوا مَعِي، فَإِنِّي أَعْرِفُ مَوْضِعَ الدِّرْعِ. فَلَمَّا عَلِمَ بِهِمْ طُعْمَةُ، أَخَذَ الدِّرْعَ فَأَلْقَاهَا فِي دَارِ أَبِي مُلَيْلٍ الْأَنْصَارِيِّ. فَلَمَّا جَاءَتِ الْيَهُودُ تَطْلُبُ الدِّرْعَ فَلَمْ تَقْدِرْ عَلَيْهَا، وَقَعَ بِهِ طُعْمَةُ وَأُنَاسٌ مِنْ قَوْمِهِ فَسَبُّوهُ، وَقَالَ: أَتُخَوِّنُونَنِي! فَانْطَلَقُوا يَطْلُبُونَهَا فِي دَارِهِ، فَأَشْرَفُوا عَلَى بَيْتِ أَبِي مُلَيْلٍ، فَإِذَا هُمْ بِالدِّرْعِ. وَقَالَ طُعْمَةُ: أَخَذَهَا أَبُو مُلَيْلٍ! وَجَادَلَتِ الْأَنْصَارُ دُونَ طُعْمَةَ، وَقَالَ لَهُمُ: انْطَلِقُوا مَعِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُولُوا لَهُ يَنْضَحُ عَنِّي وَيُكَذِّبُ حُجَّةَ الْيَهُودِيِّ، فَإِنِّي إِنْ أُكَذَّبْ كَذِبَ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ الْيَهُودِيُّ! فَأَتَاهُ أُنَاسٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، جَادِلْ عَنْ طُعْمَةَ وَأَكْذِبِ الْيَهُودِيَّ. فَهَمَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَفْعَلَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ: " {وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ} "مِمَّا أَرَدْتَ " {إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا}" ثُمَّ ذَكَرَ الْأَنْصَارَ وَمُجَادَلَتَهُمْ عَنْهُ فَقَالَ: " {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ} "، يَقُولُ: يَقُولُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ " {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} "ثُمَّ دَعَا إِلَى التَّوْبَةِ فَقَالَ: " {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا}" ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَهُ حِينَ قَالَ: "أَخَذَهَا أَبُو مُلَيْلٍ " فَقَالَ: " {وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ}" " {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} "ثُمَّ ذَكَرَ الْأَنْصَارَ وَإِتْيَانَهَا إِيَّاهُ: أَنْ يَنْضَحَ عَنْ صَاحِبِهِمْ وَيُجَادِلَ عَنْهُ، فَقَالَ: " {لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} "، يَقُولُ: النُّبُوَّةُ ثُمَّ ذَكَرَ مُنَاجَاتَهُمْ فِيمَا يُرِيدُونَ أَنْ يُكَذِّبُوا عَنْ طُعْمَةَ، فَقَالَ: " {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} ". فَلَمَّا فَضَحَ اللَّهُ طُعْمَةَ بِالْمَدِينَةِ بِالْقُرْآنِ، هَرَبَ حَتَّى أَتَى مَكَّةَ، فَكَفَرَ بَعْدَ إِسْلَامِهِ، وَنَزَلَ عَلَى الْحَجَّاجِ بْنِ عِلَاطٍ السُّلَمِيِّ، فَنَقَبَ بَيْتَ الْحَجَّاجِ، فَأَرَادَ أَنْ يَسْرِقَهُ، فَسَمِعَ الْحَجَّاجُ خَشْخَشَةً فِي بَيْتِهِ وَقَعْقَعَةَ جُلُودٍ كَانَتْ عِنْدَهُ، فَنَظَرَ فَإِذَا هُوَ بِطُعْمَةَ فَقَالَ: ضَيْفِي وَابْنَ عَمِّي وَأَرَدْتَ أَنْ تَسْرِقَنِي!! فَأَخْرَجَهُ، فَمَاتَ بِحَرَّةِ بَنِي سُلَيْمٍ كَافِرًا، وَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ: " {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى}" إِلَى" {وَسَاءَتْ مَصِيرًا} ". « حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: » اسْتَوْدَعَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ طُعْمَةَ بْنَ أُبَيْرِقٍ مَشْرُبَةً لَهُ فِيهَا دِرْعٌ، وَخَرَجَ فَغَابَ. فَلَمَّا قَدِمَ الْأَنْصَارِيُّ فَتَحَ مُشَرُبَتَهُ، فَلَمْ يَجِدِ الدِّرْعَ، فَسَأَلَ عَنْهَا طُعْمَةَ بْنَ أُبَيْرِقٍ، فَرَمَى بِهَا رَجُلًا مِنَ الْيَهُودِ يُقَالُ لَهُ زَيْدُ بْنُ السَّمِينِ: فَتَعَلَّقَ صَاحِبُ الدِّرْعِ بِطُعْمَةَ فِي دِرْعِهِ. فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَوْمُهُ، أَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمُوهُ لِيَدْرَأَ عَنْهُ، فَهَمَّ بِذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: " {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ} "، يَعْنِي: طُعْمَةَ بْنَ أُبَيْرِقٍ وَقَوْمَهُ " {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا} "، مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْمُ طُعْمَةَ " {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} "، مُحَمَّدٌ وَطُعْمَةُ وَقَوْمُهُ قَالَ: " {وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ}" الْآيَةَ، طُعْمَةُ " {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا} "، يَعْنِي زَيْدَ بْنَ السَّمِينِ " {فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} "، طُعْمَةُ بْنُ أُبَيْرِقٍ " {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ} "يَا مُحَمَّدُ " {لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ} "، قَوْمُ طُعْمَةَ بْنِ أُبَيْرِقٍ " {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا}" يَا مُحَمَّدُ " {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ} "، حَتَّى تَنْقَضِيَ الْآيَةُ لِلنَّاسِ عَامَّةً" {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} " الْآيَةَ. قَالَ: لَمَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ فِي طُعْمَةَ بْنِ أُبَيْرِقٍ، لَحِقَ بِقُرَيْشٍ وَرَجَعَ فِي دِينِهِ، ثُمَّ عَدَا عَلَى مَشْرُبَةٍ لِلْحَجَّاجِ بْنِ عِلَاطٍ الْبَهْزِيِّ ثُمَّ السُّلَمِيِّ، حَلِيفٌ لِبَنِي عَبْدِ الدَّارِ، فَنَقَبَهَا، فَسَقَطَ عَلَيْهِ حَجَرٌ فَلَحِجَ. فَلَمَّا أَصْبَحَ أَخْرَجُوهُ مِنْ مَكَّةَ. فَخَرَجَ فَلَقِيَ رَكْبًا مِنْ بَهْرَاءَ مِنْ قُضَاعَةَ، فَعَرَضَ لَهُمْ فَقَالَ: ابْنُ سَبِيلٍ مُنْقَطَعٌ بِهِ! فَحَمَلُوهُ، حَتَّى إِذَا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ عَدَا عَلَيْهِمْ فَسَرَقَهُمْ، ثُمَّ انْطَلَقَ. فَرَجَعُوا فِي طَلَبِهِ فَأَدْرَكُوهُ، فَقَذَفُوهُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى مَاتَ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: فَهَذِهِ الْآيَاتُ كُلُّهَا فِيهِ نَزَلَتْ إِلَى قَوْلِهِ: " {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} "، أُنْزِلَتْ فِي طُعْمَةَ بْنِ أُبَيْرِقٍ وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ رَمَى بِالدِّرْعِ فِي دَارِ أَبِي مُلَيْلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْخَزْرَجِيِّ، فَلَمَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ لَحِقَ بِقُرَيْشٍ، فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: " {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} "، يَقُولُ: بِمَا أَنْزَلَ عَلَيْكَ وَأَرَاكَهُ فِي كِتَابِهِ. ونَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ اسْتُودِعَ دِرْعًا فَجَحَدَ صَاحِبَهَا، فَخَوَّنَهُ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَغَضِبَ لَهُ قَوْمُهُ، وَأَتَوْا نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا: خَوَّنُوا صَاحِبَنَا، وَهُوَ أَمِينٌ مُسْلِمٌ، فَاعْذُرْهُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَازْجُرْ عَنْهُ! فَقَامَ نَبِيُّ اللَّهِ فَعَذَرَهُ وَكَذَّبَ عَنْهُ، وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ بَرِيءٌ، وَأَنَّهُ مَكْذُوبٌ عَلَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ بَيَانَ ذَلِكَ فَقَالَ: " {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} "إِلَى قَوْلِهِ: " {أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا} "، فَبَيَّنَ اللَّهُ خِيَانَتَهُ، فَلَحِقَ بِالْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ، فَنَزَلَ فِيهِ: " {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى}" إِلَى قَوْلِهِ: " {وَسَاءَتْ مَصِيرًا} ". قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ الْآيَةِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: كَانَتْ خِيَانَتُهُ الَّتِي وَصَفَهُ اللَّهُ بِهَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ، جُحُودَهُ مَا أُودِعَ، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ مَعَانِي "الخِيَانَاتِ" فِي كَلَامِ الْعَرَبِ. وَتَوْجِيهُ تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ إِلَى الْأَشْهَرِ مِنْ مَعَانِي كَلَامِ الْعَرَبِ مَا وُجِدَ إِلَيْهِ سَبِيلٌ، أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: "وَلَا تُجَادِلْ" يَا مُحَمَّدُ، فَتُخَاصِمْ" {عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ} "، يَعْنِي: يُخَوِّنُونَ أَنْفُسَهُمْ، يَجْعَلُونَهَا خَبُونَةً بِخِيَانَتِهِمْ مَا خَانُوا مِنْ أَمْوَالِ مَنْ خَانُوهُ مَالَهُ، وَهُمْ بَنُو أُبَيْرِقٍ. يَقُولُ: لَا تُخَاصِمُ عَنْهُمْ مَنْ يُطَالِبُهُمْ بِحُقُوقِهِمْ وَمَا خَانُوهُ فِيهِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ" {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا} "، يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مِنْ صِفَتِهِ خِيَانَةُ النَّاسِ فِي أَمْوَالِهِمْ، وَرُكُوبُ الْإِثْمِ فِي ذَلِكَ وَغَيْرِهِ مِمَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ: وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرَ الرِّوَايَةِ عَنْهُمْ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: " {وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ} "، قَالَ: اخْتَانَ رَجُلٌ عَمًّا لَهُ دِرْعًا، فَقَذَفَ بِهَا يَهُودِيًّا كَانَ يَغْشَاهُمْ، فَجَادَلَ عَمُّ الرَّجُلِ قَوْمَهُ، فَكَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَذَرَهُ. ثُمَّ لَحِقَ بِأَرْضِ الشِّرْكِ، فَنَزَلَتْ فِيهِ: " {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى} " الْآيَةَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِوَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: " {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ} "، يَسْتَخْفِي هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ، مَا أَتَوْا مِنَ الْخِيَانَةِ، وَرَكِبُوا مِنَ الْعَارِ وَالْمَعْصِيَةِ "مِنَ النَّاسِ"، الَّذِينَ لَا يَقْدِرُونَ لَهُمْ عَلَى شَيْءٍ، إِلَّا ذَكَّرَهُمْ بِقَبِيحِ مَا أَتَوْا مِنْ فِعْلِهِمْ، وَشَنِيعِ مَا رَكِبُوا مِنْ جُرْمِهِمْ إِذَا اطَّلَعُوا عَلَيْهِ، حَيَاءً مِنْهُمْ وَحَذَرًا مِنْ قَبِيحِ الْأُحْدُوثَةِ" {وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ} " الَّذِي هُوَ مُطَّلِعٌ عَلَيْهِمْ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَعْمَالِهِمْ، وَبِيَدِهِ الْعِقَابُ وَالنَّكَالُ وَتَعْجِيلُ الْعَذَابِ، وَهُوَ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحَى مِنْهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَوْلَى أَنْ يُعَظَّمَ بِأَنْ لَا يَرَاهُمْ حَيْثُ يَكْرَهُونَ أَنْ يَرَاهُمْ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ"وَهُوَ مَعَهُمْ"، يَعْنِي: وَاللَّهُ شَاهَدَهُمْ" {إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ} "، يَقُولُ: حِينَ يُسَوُّونَ لَيْلًا مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ، فَيُغَيِّرُونَهُ عَنْ وَجْهِهِ، وَيَكْذِبُونَ فِيهِ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى "التَّبْيِيتِ" فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَأَنَّهُ كُلُّ كَلَامٍ أَوْ أَمْرٍ أُصْلِحَ لَيْلًا. وَقَدْ حَكَى عَنْ بَعْضِ الطَّائِيِّينَ أَنَّ "التَّبْيِيتَ" فِي لُغَتِهِمْ: التَّبْدِيلُ، وَأَنْشَدَ لِلْأَسْوَدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ جُوَيْنٍ الطَّائِيِّ فِي مُعَاتَبَةِ رَجُلٍ: وَبَيَّـتَّ قَـوْلِـيَ عَبْـدَ الْمَلِيـكِ *** قَـاتَلَكَ اللَّـهُ عَبْـدًا كَنُـودًا!! بِمَعْنَى: بَدَّلَتْ قَوْلِي. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي رَزِينٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: "يُبَيِّتُونَ"، يُؤَلِّفُونَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ: " {إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ} "، قَالَ: يُؤَلِّفُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ الْوَاسِطِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ بِنَحْوِهِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، مِثْلَهُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا الْقَوْلُ شَبِيهُ الْمَعْنَى بِالَّذِي قُلْنَاهُ. وَذَلِكَ أَنَّ "التَّأْلِيفَ" هُوَ التَّسْوِيَةُ وَالتَّغْيِيرُ عَمَّا هُوَ بِهِ، وَتَحْوِيلُهُ عَنْ مَعْنَاهُ إِلَى غَيْرِهِ. وَقَدْ قِيلَ: عَنَى بِقَوْلِهِ: " {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ} "، الرَّهْطَ الَّذِينَ مَشَوْا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسْأَلَةِ الْمُدَافَعَةِ عَنِ ابْنِ أُبَيْرِقٍ وَالْجِدَالِ عَنْهُ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ فِيمَا مَضَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ. " {وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا} " يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُ هَؤُلَاءِ الْمُسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ، فِيمَا أَتَوْا مِنْ جُرْمِهِمْ، حَيَاءً مِنْهُمْ، مِنْ تَبْيِيتِهِمْ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ، وَغَيْرِهِ مِنْ أَفْعَالِهِمْ"مُحِيطًا"، مُحْصِيًا لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهُ، حَافِظًا لِذَلِكَ عَلَيْهِمْ، حَتَّى يُجَازِيَهُمْ عَلَيْهِ جَزَاءَهُمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِأَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: " {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} "، هَا أَنْتُمُ الَّذِينَ جَادَلْتُمْ، يَا مَعْشَرَ مَنْ جَادَلَ عَنْ بَنِي أُبَيْرِقٍ "فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا" وَ "الهَاءُ" وَ "المِيمُ" فِي قَوْلِهِ: "عَنْهُمْ" مِنْ ذِكْرِ الْخَائِنِينَ. " {فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ} "، يَقُولُ: فَمَنْ ذَا يُخَاصِمُ اللَّهَ عَنْهُمْ"يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، أَيْ: يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ مِنْ قُبُورِهِمْ لِمَحْشَرِهِمْ، فَيُدَافِعُ عَنْهُمْ مَا اللَّهُ فَاعِلٌ بِهِمْ وَمُعَاقِبُهُمْ بِهِ. وَإِنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ: إِنَّكُمْ أَيُّهَا الْمُدَافِعُونَ عَنْ هَؤُلَاءِ الْخَائِنِينَ أَنْفُسَهُمْ، وَإِنْ دَافَعْتُمْ عَنْهُمْ فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا، فَإِنَّهُمْ سَيَصِيرُونَ فِي آجِلِ الْآخِرَةِ إِلَى مَنْ لَا يُدَافِعُ عَنْهُمْ عِنْدَهُ أَحَدٌ فِيمَا يَحِلُّ بِهِمْ مِنْ أَلِيمِ الْعَذَابِ وَنَكَالِ الْعِقَابِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " {أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا} "، فَإِنَّهُ يَعْنِي: وَمَنْ ذَا الَّذِي يَكُونُ عَلَى هَؤُلَاءِ الْخَائِنِينَ وَكِيلًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَيْ: وَمَنْ يَتَوَكَّلُ لَهُمْ فِي خُصُومَةِ رَبِّهِمْ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى: "الْوِكَالَةِ"، فِيمَا مَضَى، وَأَنَّهَا الْقِيَامُ بِأَمْرِ مَنْ تُوُكِّلَ لَهُ.
|